.موقع قناة “العربية” على مقتطفات من الحوار الذي أجراه الإعلامي تركي الدخيل في برنامجه “إضاءات” مع وزير التربية والتعليم الإماراتي الدكتور حنيف حسن. وأكثر التعليقات في الموقع وفي مواقع أخرى تحدثت عن الحوار، كانت من ذلك النوع المسكون بنظرية المؤامرة والمتباكي على الإسلام، ودخل أحد شيوخ الدين على الخط وأفتى في موقعه بعدم جواز ما قاله الوزير.
لكن ماذا قال الوزير حتى فهم شيوخ وأساتذة وببغاوات الإنترنت ما فهموا؟ تجربتي وتجربة جيلي في المدارس، بدأت في الثمانينيات وانتهت في التسعينيات، تؤكد صحة كلام الوزير. فحين تكلم الوزير عن “مراعاة عمر الطالب والقيم التي يحتاجها وألا يتم تعليمه في الروضة والمرحلة الابتدائية العقائد والغيبيات لأنها لا تتناسب مع عمره” فأتذكر في الابتدائية، أن اسم “الله” كان مرادفاً للخوف والرهبة. وتذكر الموت أو القبر كان يعني حضور أخوفَ فيلم رعب خاصة بوجود الثعبان العجيب “الشجاع الأقرع”، وربما هذا هو سبب رعبي المزمن من الزواحف بأنواعها. نعم كان هناك ترغيب، لكن ما يفيد الترغيب بعد كل هذا الوعد والوعيد؟ مع ملاحظة أن الترغيب موجه بطبيعته للكبار، فلا أحد منا كان يحلم بالحور العين مثلاً.
أما دعوة الوزير بأن “لا تخضع المناهج الإسلامية لفكر سائد في دولةٍ ما، فيخرج الطالب إلى المجتمع متناقضاً مع نفسه ومع مجتمعه المتعدد الثقافات والديانات واللغات والجنسيات”، فأذكر مدرساً في الابتدائية كان يسخر من اسم أحد التلاميذ لأن اسمه يدلّ على طائفته، ويغريه بمنحه العلامة النهائية لو بدّل اسمه. وكنا نتجنب التعامل مع ذلك الزميل وهو يتجنب الاختلاط بنا، رغم أننا أطفال يفترض فينا أن نطير بأجنحة، وهو طفل يفترض معه ألا يكون مذنباً في اختيار اسمه.
وأذكر مدرساً في الإعدادية كان يروّج لنظرية المؤامرة، وكان يخوِّفنا من أتباع الديانة “السيخية” والذين يسمون في الإمارات “سردارية”، فيقول بأن عقيدة “السردار” تحرم عليه حلق شعر رأسه إلا بعد قتله مسلماً. ولم تصبح علاقتي طبيعية مع “السيخ” إلا لاحقاً حين عرفت أنهم أقلية في الهند مثلهم مثل المسلمين هناك، ناهيكم عن عدم سماعي عن أي “سردار” قتل مسلماً في الإمارات ثم ذهب إلى صالون الحلاقة.
وكلام الوزير عن التدريس بأنه “مهمة خطيرة وتتعامل مع عقول الجيل وتربيتهم وهناك أولوية قصوى لا يمكن التسامح فيها وهي الولاء للوطن وأنه تم إيقاف عدد من المدرسين بسبب ممارسات ما في المدارس وانتماء بعضهم لتنظيمات تشكّل خطراً على عقول أبنائنا”، فيؤكده النشيد الذي يبدأ بـ: “إنَّ للإخوان صرحاً، كل ما فيه حسن… لا تسلْني مَنْ بناه، إنه البنا حسن”. والذي كان يحفِّظنا إياه أحد المدرسين في الإعدادية. والنشيد غيض من فيض لعبه بعقولنا.
أما أستاذ الثانوية، فكان متخصصاً في شتم الحكومات العربية لأنها لا تحارب إسرائيل، ولأن لها مصالح مع أميركا، ولأنها لم تقف مع “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” التي أوشكت آنذاك على ابتلاع الجزائر. ولا أدري ماذا حصل في المدارس بعد أحداث سبتمبر 2001 لأنني، ولحسن حظي، كنت قد أنهيت دراستي الجامعية.